العطـر والبندقـية
* الفصل الأول *
ما أجمل الحقول في بلادي . . وما أجمل ترتيبها . . ترى المواسم من قمح أو ذرة تفترش الأرض من أقصاها إلى أقصاها . . يحيطها شيئ من الزراعات الناعمة . . مثل الفلفل بخضاره الداكن . . وثمره متعدد الألوان . . أو العصفر بلون زهره البرتقالي . . الذي يعكس أشعة الشمس فيزيد الطبيعة بهاءً . . ثم ترى على الحدود أشجار الحور إذا كانت الأرض قريبة من الماء . . أو أشجار السرو لو كانت تسقى يدوياً أو من المطر . . تجدها تقف راسخة تحمي الأرض والزرع من عتو الرياح . . وتحدد لصاحبها ملكيته بين أقرانه . .
جمال خلقه الله . . لنستمتع به . . ولكي نجد طريقنا الدائم نحو حمد المولى وشكره . . ونحس بالنعمة التي أنعم بها علينا . .
ولكن هذا الجمال البديع . . قد يخبىء خلفه عداوات وخلافات . . يكاد أن لا يظهر لها حـل وشــيك . . وخصوصاً عندما تنتقل من زعيم إلى آخر . . ومن جيل إلى جيل . .
داخل قرية البيادرية . . لا تكاد الأمور تختلف عما رسم لها . . فقد أصبحت الأعراف السائدة مثل قوانين تطاع من الجميع . . فلا يجرؤ أن يكسرها أحد . .
في مثل هذا الحمى . . نشأت العوائل والعشـائر المختلفة . . وكان أبو جميل من أكبر أغنياء القرية . . يمتلك أفضل أراضيها . . التي تقع قرب النهر . . وقد ورثها أباً عن جد . . ولكنه كان مع غناه شديداً . . يستهاب جانبه . . شديد العصبية . . يمتلك مجموعة كبيرة من الأسلحة المختلفة . . ولديه عصبة قوية من الرجـال الأشـاوس . . يحمون ممتلكاته . . ويدلـّون بوجودهـم وتجمّعهم على قوته ومركزه . . وهم معه أينما تحرك وكيفما سار . .
أما جاره أبو سليم . . فكان من الأغنياء المعدودين أيضاً . . ويمتلك أراضٍ شاسعة قرب النهر أيضاً . . ولكنه خلوق مسالم لا يؤمن بالسفه والفجور أو بالاعتداء على الغير . . وينظر إلى كل الناس نظرة رضى . .
دخلت العداوة بين الجارين منذ عهد جدهما الأكبر . . ولم يتغير موضوعها ولم يخرج عن خلافهما على حصص الماء . . وخصوصاً عندما يشتد الحر . . وينخفض النهر .
كان فرع صغير للنهر البعيد يمر من جانب أرض أبي جميل . . وينحدر من بعيد قليلاً جانب أرض أبي سليم . . وكل سقايات القرية يأخذها الأهالي منه . . وفي أحد أيام الصيف القائظ . . خشي أبو جميل ألا تكفيه حصة المياه المحولة إلى أرضه . . أو أن لا تصل إلى عمق زراعاته . . فأرسل رجاله عند الفجر . . فشكلوا سداً ترابياً . . جعل الماء كله يجري في اتجاه ممتلكاته . . ويمنعه عن الوصول إلى أراضي أبي سليم الذي فوجىء بانقطاع الماء في وقت حاجته . . فأسرع يستطلع الأمر . . فوجد السد الترابي . . فنبشه بسرعة لتعود المياه إلى الجريان في مجراها المعتاد . . وما هي إلا سـاعة من نهار . . حتى حضر أبو جميل يســبقه رجاله والسـلاح . . وبدأ إطلاق الأعير النارية . . مما اضطر أبو سليم ومن معه إلى الهرب والتخفي بعيداً . .
غادر أبو سليم مسرعاً ويمم وجهه نحو مركز الدرك . . المسؤول الرســـمي عن الأمن في المنطقة . . وسجل شكوى بحق جاره . . وفي نفس الوقت . . وصل الخبر إلى المختار الذي سارع إلى دعوة الطرفين للحضور مع رجالات القرية إلى دارته . . لرأب الصدع . . وحل الخلاف . .
* الفصل الثاني *
عيسى أحد أبناء القرية . . شاب في السابعة والعشرين من عمره . . حصل على الشهادة الثانوية من مدرسة القرية . . وأصر أن يذهب إلى العاصمة ليستكمل تعليمه . . حتى حصل على شهادته الجامعية . . ومكث في العاصمة بضع سنين . . ولكنه لم يستطع مقاومة رغبته أن يعود إلى قريته ويعمل فيها . . فهي عشقه ومبتغاه الدائم . . كما أن فيها زهوة . . الصبية الجميلة ابنة المختار . . التي أحبها من بعيد . . مذ أن كان شاباً يافعاً . . ولم يتجرأ يوماً أن يشي بما يعتمل في فؤاده . . فالمختار من الأغنياء . . ومقامه في القرية عالٍ جداً . . فكيف الوصول إليها . . !
سمع عيسى بما حصل . . وعرف أن مجلس القرية سيعقد بعد ساعات قليلة . . ورغب أن يحضر الجلسة ويرى الأمور عن كثب . . و في نفس الوقت أن يتعرف على رجالات القرية وكبرائها . . عن قرب . .
أما المختار فكان دأبه . . كلما نشب خلاف ما . . أن يتدخل بسرعة لحل نزاعات القرية . . قبل أن يتدخل الغريب . . وهذا الغريب هو مركز الدرك بالطبع . . أما لو تدخل الدرك فعلياً . . فإن المشكلة الوقتية تحل سريعاً بطريقة ما . . ولكن نزاعات متعددة لا تنتهي تنشأ بعدها. . كما أن قائد الدرك يدرك من واقع خبرته في المنطقة أن النزاع إذا تم حله داخل كل قرية . . فإن الوضع الأمني يكون أفضل . . فكان يعطي الفرصة في كل مرة للتصرف قبل أن يقترب ويجبر على التدخل . . وهكذا عقد المجلس . . ومرت المجاملات المتبادلة في مثل هذه المواقف بهدوء يشوبه الحذر . . ثم ابتدر أبو جميل الجميع متحفزاً . .
* إن أراضيّ واسعة . . وفي يوم قائظ شديد الحرارة مثل اليوم . . فالماء لن يصل عمق الزراعات إلا ضعيفاً لا يكفي . . ولن يوقفني أحد عن ري أراضي بالكامل . .
وعارضه أبو سليم . . موجهاً حديثه للمجلس :
* كيف يبني أبو جميل سداً يمنع الماء عن الوصول كلية إلى أرضي . . هل نترك الأرض تموت أم ماذا . . ! أنا لا أقبل بهذا أبداً وسألجأ إلى الدرك . . وماذا عن موضوع الأسلحة واستخدامها ضدي وضد رجالي . . أنا لدي من الأسلحة الشيء الكثير . . ولم أرغب يوماً باستخدامها . . هل تريدون أن نشعلها حرباً . .! لو كان الأمر كذلك فأنا مستعد ولا مانع عندي . .
وانبرى أبو جميل صائحاً . .
* هل تهددني . . أنت لا تخيفني . . أنا مستعد أن أحارب القرية كلها . . أما تدري من أنا . .
وتدخل المختار . .
* يا جماعة . . أيها الأحباب . . لقد اجتمعنا لنحل الخلاف . . ونمنع أخبارنا وخلافاتنا أن تتسلل إلى الخارج . . هل تريدون للغريب أن يتدخل بيننا . . أما تعلمون ماذا يعني ذلك . .
وعلى هذا المنوال . . استمر الجدال . . وطال الخلاف . . ولم يظهر على السطح أية بادرة أمل . . وكان رجال كل فريق يقبعون خارج المجلس . . يستعرضون أسلحتهم وقوتهم . . وينتظرون الأوامر . . وطال الأمر طويلاً . . وزاد التبرم في جميع الوجوه . .
انبرى عيسى الشاب المثقف متوجهاً بحديثه إلى المختار . .
* عمي المختار . . هل لي أن أتدخل وأتكلم . . !!
سكت الجميع واستغربوا جرأة الشاب الذي كان حضوره للمجلس مستغرباً . . فكيف إن تكلم وأبدى رأياً . . ! لم يكن الأمر معتاداً في القرية من قبل أبداً . .
* تفضل يا عيسى سنسمعك . . قل ما لديك . .
اتجهت الأنظار كلها إلى عيسى . . ينتظرون ما سوف يتفوه به هذا الشاب حديث السن . .
* أنا أعلم بأن كمية الماء عند بدايـة فرع النهر تكون كافية لجميع الأراضي في القرية طيلة أوقات السنة . . أليس كذلك . . !
أبو جميل : نعم ولكنها تضعف كلما مرت إلى داخل الأراضي . . وفي كثير من الأحيان لا تكفي أبداً . .
* حسناً . . إذا قمنا بتركيب مضخات كافية في المكان المناسب . . ماذا سيحصل . . !
أبو سليم : سيصل الماء قوياً ويكفي جميع الأراضي . .
أبو جميل : ولكن . . هل تعلم ماذا تقول . . إنه مشروع كبير . . كيف يمكن التفكير فيه . .
* لا عليك يا أبو جميل . . تكلفة مبنى المضخات . . سيتشارك فيها الجميع . . أما المضخات فكل واحد أو أكثر يشتري لنفسه مضخة . . ثم يتم تنظيم الحصص بجدول معروف ومتفق عليه . . ومن يرغب فيمكنه تجهيز خزان أرضي يخزن فيه حاجته من الماء ليستعملها وقت الحاجة . . المـاء كثير والخير عميم . . وهـذه أرضنا وهي وطننا . . ولا نحتاج خلافاً ولا نزاعات . . سيكفينا الماء . . ونفكر في مشاريع أكبر بكثير لتطوير قريتنا . . ونعيش دوماً بأخوة وسلام . .
لم ينبس أبو جميل ببنت شفة . . بل قام من مجلسه سعيداً وخرج إلى رجاله . . أحضر أفضل وأجمل بندقية يمتلكها . . عاد إلى المجلس . . توجه إلى عيسى . . أعطاه البندقية . . وقبل رأسه . .
شاهد أبو سليم ما حصل . . فسارع يجري إلى عيسى . . سلم عليه وقبل رأسه . . وتقاطر الجميع على الشاب المحبوب . . الذي حل المشكلة والنزاع بالحلم والهدوء وحب الخير . . وأعطى للقرية آفاقاً جديدة لم يكن التفكير فيها متاحاً من قبل . .
كان المختار يراقب من طرف خفي وهو يبتسم . . وقد خطط في نفسه شيئاً . . أما عيسى فكان واقعاً تحت ضغط الموقف الجديد الذي وجد نفسه فيه . . وما أن تحرر قليلاً مما هو فيه . . حتى سمع المختار يناديه . .
* عيسى . . يا عيسى . .
أسرع عيسى إلى المختار . . فور أن قدر على ذلك . .
* نعم عمي . . آسف كنت في وضع صعب . . اعذرني أرجوك . .
* عيسى . . أيها العزيز . . لم لا تحضر لزيارتنا اليوم مع والديك . . هنالك حديث بيننا علينا أن نكمله . .
أرجو ألا تتأخروا . .
أحمد فؤاد صوفي
تح ـيتي
* الفصل الأول *
ما أجمل الحقول في بلادي . . وما أجمل ترتيبها . . ترى المواسم من قمح أو ذرة تفترش الأرض من أقصاها إلى أقصاها . . يحيطها شيئ من الزراعات الناعمة . . مثل الفلفل بخضاره الداكن . . وثمره متعدد الألوان . . أو العصفر بلون زهره البرتقالي . . الذي يعكس أشعة الشمس فيزيد الطبيعة بهاءً . . ثم ترى على الحدود أشجار الحور إذا كانت الأرض قريبة من الماء . . أو أشجار السرو لو كانت تسقى يدوياً أو من المطر . . تجدها تقف راسخة تحمي الأرض والزرع من عتو الرياح . . وتحدد لصاحبها ملكيته بين أقرانه . .
جمال خلقه الله . . لنستمتع به . . ولكي نجد طريقنا الدائم نحو حمد المولى وشكره . . ونحس بالنعمة التي أنعم بها علينا . .
ولكن هذا الجمال البديع . . قد يخبىء خلفه عداوات وخلافات . . يكاد أن لا يظهر لها حـل وشــيك . . وخصوصاً عندما تنتقل من زعيم إلى آخر . . ومن جيل إلى جيل . .
داخل قرية البيادرية . . لا تكاد الأمور تختلف عما رسم لها . . فقد أصبحت الأعراف السائدة مثل قوانين تطاع من الجميع . . فلا يجرؤ أن يكسرها أحد . .
في مثل هذا الحمى . . نشأت العوائل والعشـائر المختلفة . . وكان أبو جميل من أكبر أغنياء القرية . . يمتلك أفضل أراضيها . . التي تقع قرب النهر . . وقد ورثها أباً عن جد . . ولكنه كان مع غناه شديداً . . يستهاب جانبه . . شديد العصبية . . يمتلك مجموعة كبيرة من الأسلحة المختلفة . . ولديه عصبة قوية من الرجـال الأشـاوس . . يحمون ممتلكاته . . ويدلـّون بوجودهـم وتجمّعهم على قوته ومركزه . . وهم معه أينما تحرك وكيفما سار . .
أما جاره أبو سليم . . فكان من الأغنياء المعدودين أيضاً . . ويمتلك أراضٍ شاسعة قرب النهر أيضاً . . ولكنه خلوق مسالم لا يؤمن بالسفه والفجور أو بالاعتداء على الغير . . وينظر إلى كل الناس نظرة رضى . .
دخلت العداوة بين الجارين منذ عهد جدهما الأكبر . . ولم يتغير موضوعها ولم يخرج عن خلافهما على حصص الماء . . وخصوصاً عندما يشتد الحر . . وينخفض النهر .
كان فرع صغير للنهر البعيد يمر من جانب أرض أبي جميل . . وينحدر من بعيد قليلاً جانب أرض أبي سليم . . وكل سقايات القرية يأخذها الأهالي منه . . وفي أحد أيام الصيف القائظ . . خشي أبو جميل ألا تكفيه حصة المياه المحولة إلى أرضه . . أو أن لا تصل إلى عمق زراعاته . . فأرسل رجاله عند الفجر . . فشكلوا سداً ترابياً . . جعل الماء كله يجري في اتجاه ممتلكاته . . ويمنعه عن الوصول إلى أراضي أبي سليم الذي فوجىء بانقطاع الماء في وقت حاجته . . فأسرع يستطلع الأمر . . فوجد السد الترابي . . فنبشه بسرعة لتعود المياه إلى الجريان في مجراها المعتاد . . وما هي إلا سـاعة من نهار . . حتى حضر أبو جميل يســبقه رجاله والسـلاح . . وبدأ إطلاق الأعير النارية . . مما اضطر أبو سليم ومن معه إلى الهرب والتخفي بعيداً . .
غادر أبو سليم مسرعاً ويمم وجهه نحو مركز الدرك . . المسؤول الرســـمي عن الأمن في المنطقة . . وسجل شكوى بحق جاره . . وفي نفس الوقت . . وصل الخبر إلى المختار الذي سارع إلى دعوة الطرفين للحضور مع رجالات القرية إلى دارته . . لرأب الصدع . . وحل الخلاف . .
* الفصل الثاني *
عيسى أحد أبناء القرية . . شاب في السابعة والعشرين من عمره . . حصل على الشهادة الثانوية من مدرسة القرية . . وأصر أن يذهب إلى العاصمة ليستكمل تعليمه . . حتى حصل على شهادته الجامعية . . ومكث في العاصمة بضع سنين . . ولكنه لم يستطع مقاومة رغبته أن يعود إلى قريته ويعمل فيها . . فهي عشقه ومبتغاه الدائم . . كما أن فيها زهوة . . الصبية الجميلة ابنة المختار . . التي أحبها من بعيد . . مذ أن كان شاباً يافعاً . . ولم يتجرأ يوماً أن يشي بما يعتمل في فؤاده . . فالمختار من الأغنياء . . ومقامه في القرية عالٍ جداً . . فكيف الوصول إليها . . !
سمع عيسى بما حصل . . وعرف أن مجلس القرية سيعقد بعد ساعات قليلة . . ورغب أن يحضر الجلسة ويرى الأمور عن كثب . . و في نفس الوقت أن يتعرف على رجالات القرية وكبرائها . . عن قرب . .
أما المختار فكان دأبه . . كلما نشب خلاف ما . . أن يتدخل بسرعة لحل نزاعات القرية . . قبل أن يتدخل الغريب . . وهذا الغريب هو مركز الدرك بالطبع . . أما لو تدخل الدرك فعلياً . . فإن المشكلة الوقتية تحل سريعاً بطريقة ما . . ولكن نزاعات متعددة لا تنتهي تنشأ بعدها. . كما أن قائد الدرك يدرك من واقع خبرته في المنطقة أن النزاع إذا تم حله داخل كل قرية . . فإن الوضع الأمني يكون أفضل . . فكان يعطي الفرصة في كل مرة للتصرف قبل أن يقترب ويجبر على التدخل . . وهكذا عقد المجلس . . ومرت المجاملات المتبادلة في مثل هذه المواقف بهدوء يشوبه الحذر . . ثم ابتدر أبو جميل الجميع متحفزاً . .
* إن أراضيّ واسعة . . وفي يوم قائظ شديد الحرارة مثل اليوم . . فالماء لن يصل عمق الزراعات إلا ضعيفاً لا يكفي . . ولن يوقفني أحد عن ري أراضي بالكامل . .
وعارضه أبو سليم . . موجهاً حديثه للمجلس :
* كيف يبني أبو جميل سداً يمنع الماء عن الوصول كلية إلى أرضي . . هل نترك الأرض تموت أم ماذا . . ! أنا لا أقبل بهذا أبداً وسألجأ إلى الدرك . . وماذا عن موضوع الأسلحة واستخدامها ضدي وضد رجالي . . أنا لدي من الأسلحة الشيء الكثير . . ولم أرغب يوماً باستخدامها . . هل تريدون أن نشعلها حرباً . .! لو كان الأمر كذلك فأنا مستعد ولا مانع عندي . .
وانبرى أبو جميل صائحاً . .
* هل تهددني . . أنت لا تخيفني . . أنا مستعد أن أحارب القرية كلها . . أما تدري من أنا . .
وتدخل المختار . .
* يا جماعة . . أيها الأحباب . . لقد اجتمعنا لنحل الخلاف . . ونمنع أخبارنا وخلافاتنا أن تتسلل إلى الخارج . . هل تريدون للغريب أن يتدخل بيننا . . أما تعلمون ماذا يعني ذلك . .
وعلى هذا المنوال . . استمر الجدال . . وطال الخلاف . . ولم يظهر على السطح أية بادرة أمل . . وكان رجال كل فريق يقبعون خارج المجلس . . يستعرضون أسلحتهم وقوتهم . . وينتظرون الأوامر . . وطال الأمر طويلاً . . وزاد التبرم في جميع الوجوه . .
انبرى عيسى الشاب المثقف متوجهاً بحديثه إلى المختار . .
* عمي المختار . . هل لي أن أتدخل وأتكلم . . !!
سكت الجميع واستغربوا جرأة الشاب الذي كان حضوره للمجلس مستغرباً . . فكيف إن تكلم وأبدى رأياً . . ! لم يكن الأمر معتاداً في القرية من قبل أبداً . .
* تفضل يا عيسى سنسمعك . . قل ما لديك . .
اتجهت الأنظار كلها إلى عيسى . . ينتظرون ما سوف يتفوه به هذا الشاب حديث السن . .
* أنا أعلم بأن كمية الماء عند بدايـة فرع النهر تكون كافية لجميع الأراضي في القرية طيلة أوقات السنة . . أليس كذلك . . !
أبو جميل : نعم ولكنها تضعف كلما مرت إلى داخل الأراضي . . وفي كثير من الأحيان لا تكفي أبداً . .
* حسناً . . إذا قمنا بتركيب مضخات كافية في المكان المناسب . . ماذا سيحصل . . !
أبو سليم : سيصل الماء قوياً ويكفي جميع الأراضي . .
أبو جميل : ولكن . . هل تعلم ماذا تقول . . إنه مشروع كبير . . كيف يمكن التفكير فيه . .
* لا عليك يا أبو جميل . . تكلفة مبنى المضخات . . سيتشارك فيها الجميع . . أما المضخات فكل واحد أو أكثر يشتري لنفسه مضخة . . ثم يتم تنظيم الحصص بجدول معروف ومتفق عليه . . ومن يرغب فيمكنه تجهيز خزان أرضي يخزن فيه حاجته من الماء ليستعملها وقت الحاجة . . المـاء كثير والخير عميم . . وهـذه أرضنا وهي وطننا . . ولا نحتاج خلافاً ولا نزاعات . . سيكفينا الماء . . ونفكر في مشاريع أكبر بكثير لتطوير قريتنا . . ونعيش دوماً بأخوة وسلام . .
لم ينبس أبو جميل ببنت شفة . . بل قام من مجلسه سعيداً وخرج إلى رجاله . . أحضر أفضل وأجمل بندقية يمتلكها . . عاد إلى المجلس . . توجه إلى عيسى . . أعطاه البندقية . . وقبل رأسه . .
شاهد أبو سليم ما حصل . . فسارع يجري إلى عيسى . . سلم عليه وقبل رأسه . . وتقاطر الجميع على الشاب المحبوب . . الذي حل المشكلة والنزاع بالحلم والهدوء وحب الخير . . وأعطى للقرية آفاقاً جديدة لم يكن التفكير فيها متاحاً من قبل . .
كان المختار يراقب من طرف خفي وهو يبتسم . . وقد خطط في نفسه شيئاً . . أما عيسى فكان واقعاً تحت ضغط الموقف الجديد الذي وجد نفسه فيه . . وما أن تحرر قليلاً مما هو فيه . . حتى سمع المختار يناديه . .
* عيسى . . يا عيسى . .
أسرع عيسى إلى المختار . . فور أن قدر على ذلك . .
* نعم عمي . . آسف كنت في وضع صعب . . اعذرني أرجوك . .
* عيسى . . أيها العزيز . . لم لا تحضر لزيارتنا اليوم مع والديك . . هنالك حديث بيننا علينا أن نكمله . .
أرجو ألا تتأخروا . .
أحمد فؤاد صوفي
تح ـيتي